* الحرب لا تترك للمساحات البريئة مكاناً، فهي تتسلل حتى إلى الرياضة والإعلام، وتفرض سطوتها بلا استثناء تعطل المصانع كما تُطفئ الملاعب، وتبعثر المزارع كما تُربك الشاشات* الاقتصاد والاجتماع والثقافة جميعها تقع تحت طائلة تداعياتها الثقيلة، وحتى الإعلام الرياضي لم يسلم من هذه الهزات
* وفي ظل هذا الواقع المضطرب، كان طبيعياً أن تتأثر البرامج الرياضية في القنوات السودانية، فتتراجع جاذبيتها وحضورها، إما بفعل الظروف القاهرة، أو بسبب قصور داخلي في إدارة تلك القنوات
* أوضح مثال لذلك برنامج عالم الرياضة في التلفزيون القومي، الذي ظل لسنوات قبلة المشاهدين، لكنه فقد كثيراً من بريقه مؤخراً
* غياب الأندية الكبيرة بنجومها ومدربيها وإدارييها حرمه من حيويته المعتادة، وزادت المعاناة بغياب الزميل رضا مصطفى الشيخ، فكانت النتيجة تراجعاً مؤلماً متوقعاً بحكم الظروف، لكنه موجع بحكم المكانة التاريخية للبرنامجوعلى الجانب الآخر، برزت قناة الزرقاء كلاعبٍ مختلف في زمن الحرب إذ نجحت في أن تؤدي دوراً وطنياً بارزاً عبر تغطياتها الإخبارية وبرامجها الحوارية، وأسهمت في ترسيخ الوعي العام والوقوف المشرف إلى جانب قواتنا المسلحةأما رياضياً فقد شكّل إنضمام الزميلة شيراز صلاح نقطة تحول مهمة، إذ قدمت برنامجاً أقرب إلى نبض الجمهور بما تملكه من حضور وأسلوب جاذب
* فحافظت القناة من خلالها على صلتها بمشاهديها في وقت عزّ فيه الجديد
* لكن في المقابل، سمح ضعف التخطيط بوجود برنامجين متشابهين في الفكرة والمضمون شيراز كسرت الجمود وقدمت نموذجًا مهنئاً ناجحاً، بينما الزميل محمد معني اكتفى بالاعتماد على ذات القالب وضيوف متكررين، فغاب عنصر التنوع والتجديد، والأجدى أن تُستثمر إمكاناته في مجالات المنوعات، حيث يبرع فيها، بدل استنزافها في تجربة رياضية مكررة تخصم ولا تضيف جديداً
* أما قناة البلد فقد تراجع حضورها الرياضي حتى كادت أن تغيب تماماً عن دائرة المنافسة، ورغم تميزها في بعض برامجها الأخرى، فإن فقدانها لعدد من منتجيها البارعين في المجال الرياضي خلق فراغاً واضحاً أضعف مكانتها وجعلها خارج السباق تقريباً
* الجمهور الرياضي، رغم قسوة الظروف، لم يتخلَّ عن شاشاته تماماً لكنه يتابع بعين ناقدة، يتأفف من التكرار ويحنّ إلى الحيوية التي كان يجدها في الحوارات الساخنة، والتقارير الميدانية، وصوت الملاعب الخضراء، فالمحبون يفتقدون الدهشة التي اعتادوا عليها، ولا يرضيهم أن تتحول البرامج إلى إعادة اجترار بلا طعم ولا لون
* الخلاصة أن أزمة البرامج الرياضية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بغياب النشاط الرياضي في السودان فالملاعب هي المصدر، واللاعبون والإداريون هم المادة الخام التي تمنح البرامج حيويتها، ومع توقف النشاط تبقى المحاولات محدودة مهما بلغت كفاءة المقدمين
* لكن التحدي الأكبر أمام القنوات اليوم هو إستثمار وجودها في القاهرة، حيث يتجمع معظم الرياضيين، لصناعة حضور جديد يحوّل الأزمة إلى فرصة، ويُبقي على خيط الوصل مع جمهور عطشان إلى فرح يبدد قسوة الحرب
* فالإعلام الرياضي وإن ضاق أفقه في زمن السلاح، يبقى قادراً إن أُحسن توظيفه أن يزرع بذور التفاؤل ويمهّد لعودة الروح، وحين تعود الحياة للملاعب الخضراء، ستعود معها البرامج الشيقة لتعيد البريق إلي الشاشات